كرنفال الدستور

بعد الخطاب الملكي المعلن للاستفتاء الشعبي أعلنت إنطلاقة الحملة الإنتخابية. حملة تكرس الاستثناء المغربي بامتياز. فقد تم إضفاء الطابع المغربي و الخصوصية التي لطالما تغنى بها خالد الناصري على هذه المهزلة. حيث دعي المغاربة إلى القيام بواجبهم الوطني و تلبية النداء التاريخي و تجديد ميثاق البيعة مع العرش العلوي و غيرها من الجمل الرنانة التي لا تسمن و لا تغني من جوع ...

ألبسوا الأطفال الأخضر و الأحمر و طلبوا منهم ترديد شعارات لا يفقهون معانيها تدعو للتصويت بنعم, كيف يجند طفل لم يدرك بعد أبجديات الحياة لحملة الدستور ؟ أليس هذا انتهاكا سافرا لبراءة الطفل المغربي و استغلالا من أبشع الاستغلالات ؟

استأجروا "الطبالة و الغياطة" للتطبيل للدستور, و كأن أنغامهم قادرة على شرح مضامين الدستور للمواطن البسيط الذي لا يطلب إلا لقمة العيش. أصبحت حملات نعم للدستور بمثابة أعراس تجوب الدروب و الأزقة حيث تصدح الأبواق و الحناجر بأغان ألفنا سماعها في الحفلات الشعبية. أغان عدلت بكل بشاعة لتلائم الظرفية الحالية.

وعدوا الشباب بأكلة شريطة حضورهم و اصطفافهم في مهرجانتهم الخطابية ... أخلفوا وعدهم فتلقوا وابلا من الشتائم و القنينات, فما كان منهم إلا أن فروا هاربين مذعورين.بالفعل, فعندما تفرغ البطون و تنكث الوعود, فآخر ما يمكن الاستماع له هو مديح التعديلات الدستورية و الحكامة السديدة لصاحب الجلالة.

أقاموا حفلة و أحضروا فرقة شعبية في مقر الحزب : رقص و مجون على أنغام "الجرة" , عفوا, أقصد فصول الدستور ... تلك هي الطريقة المثلى لإقناع الشباب بمدى فاعلية الفأر الذي تمخض عن الجبل و مناسبته للمجتمع المغربي.

حرروا خطبة موحدة, استغلوا الدين و منابر الأئمة أفظع استغلال في هذه البروباغاندا. ترك المصلون المساجد آسفين و متحسرين على ما آلت إليه خطبة الجمعة التي أضحت خطبة لوزارة الداخلية مكسوة بطابع ديني ... من لم يطع أمير المؤمنين و يصوت بنعم لهذا الدستور المتميز فمصيره الزقوم و الزبانية و نار جهنم لخروجه عن طاعة ملكنا الهمام.

أغدقوا النقود على النساء المغرر بهم من الشباب شريطة حمل الأعلام و صور محمد السادس ...اصطنعوا الفرحة و نسبوها لمكونات الشعب المغربي ... زايدوا في الأرقام و أكدوا أن الملايين خرجت لتعبر عن فرحتها. فما أروع هذه المسرحية التي حاكها  المخزن.

حشدوا أنصاف المفكرين و قواد الأحزاب المخزنية لكي يسبحوا بحمد الدستور الجديد عبر أمواج التلفاز و أثير الإذاعات ... اختلقوا برامج حوارية و قاموا بتهميش الرأي الآخر قصد إقناع المغاربة. لكن اللعبة لم تنطل على المواطنين الذين سئموا هذه الفرجة الرديئة.

تلك إذن بعض تجليات الحملة الدستورية, حملة لم يتوارى فيها المخزن عن استعمال كل الوسائل المنحطة و التغرير بذوي النفوس الضعيفة و المستضعفين في مسيرات و وقفات تحشد بضع العشرات من السكان. للتذكير, أؤكد على احترامي لمن سيصوت بنعم للدستور الجديد بعد اطلاعه عليه و فهمه لمحتواه, لكنني أستنكر هذا الكرنفال الهادف إلى حشد أكبر قدر من المواطنين الذين لم يسعفهم الحظ في التوفر على مناعة من ترهات النظام.

إذا كان هذا الدستور يحمل بين طياته احتراما لحقوق الإنسان و رد اعتبار لكرامة المواطن, فالأفعال الصادرة عن مناصريه من القواد و الباشوات تنم عن نقيض ذلك. عفوا, لكنني سأقاطع هذه المهزلة الدستورية التي لا ترقى إلى مستوى تطلعات المغاربة الأحرار.