vendredi 18 février 2011

حب الفساد و فساد الحب


بعد اندلاع ثورتي الفل و الياسمين بكل من مصر و تونس, قمت بتتبع ردود فعل الشباب المغربي تجاه هذه الأحداث و مدى تفاعله مع تطورات القضيتين. تنوعت الآراء و اختلفت المواقف بين من يدعو إلى إقامة مسيرة حب لملك البلاد للتعبير عن الحب الجياش الذي يختلج صدور المغاربة و مدى تعلق المواطنين بأمير المؤمنين, بينما اتفق شباب آخر على تنظيم وقفة للمطالبة بالإصلاح الشامل في جميع المجالات و بطي صفحة المخزن, في حين برزت فئة ثالثة تدعو إلى مقاطعة أي مسيرة كيفما كانت محفزاتها و دواعيها.
إذا تمعنا قليلا في المواقف السابق ذكرها, سيتبين لنا أن القاسم المشترك الذي يجمعها هو حب هذا الشباب لوطنه, لكن لو كانت المشاعر وحدها كفيلة بتحقيق النمو والازدهار, لجلسنا طيلة اليوم ننظم قصائد غزل في محاسن المغرب غافلين عن العيوب التي ما زالت و لسوء الحظ تشوبه. فالحب يعمي الولهان و لا يجعله يبصر إلا مفاتن ليلى...
من دعوا إلى مسيرة الحب لملك البلاد اتخذوا شعارا: تحرق الشعوب أنفسها لعزل رؤسائها و نحن نحرق العالم ليبقى ملكنا محمد السادس. ما يبين بدون شك مدى تعلق المغاربة بالعرش. كيف لا و هم المستعدون لحرق العالم بأسره لضمان بقاء الملك... فالمغرب قد عرف ست حالات لإحراق النفس منذ تضحية البوعزيزي, يبقى لنا معرفة الدافع الحقيقي لهذه الأفعال ... من يدري قد تأتي وكالة المغرب العربي للأنباء و تخبرنا بأن الدافع قد كان... الحب.
أما أصحاب دعوة العشرين من فبراير, فيطالبون بحل الحكومة, البرلمان و جميع الأحزاب السياسية إضافة إلى انتهاج إصلاحات دستورية لإقامة ملكية برلمانية على شاكلة بريطانيا العظمى. دعوة و إن كانت تنم عن حسن نية ما زالت تفتقد إلى الكثير من الواقعية و تتسم بالقليل من العبثية و الدعوى إلى الفوضى السياسية...
هذه الدعوات من كل صوب و حدب خلقت جهة مطالبة بمقاطعة جميع المسيرات كيفما كان نوعها, خوفا من تحريف المطالب الأصلية أو المشاعر المعبر عنها و حفظا لأمن و سلامة البلاد من الخونة و المتربصين الذين ينتظرون بفارغ الصبر الفرصة لزعزعة الاستقرار بالوطن ... هذا الوطن الذي كثر تعداد أعدائه و قل عدد أصدقائه.
إذا كان هناك من حب يجب أن يتواجد, فلا بد أن يكون حب الحرية, حب الإصلاحات و حب ازدهار الوطن. هذه أروع طريقة للتعبير للملك عن الحب الذي يكنه له الشعب. فملك البلاد في غنى عن الشعارات التي تهتف باسمه إذا كنا سنستيقظ في الغد لنشتم الفاسدين من الوزراء و البرلمانيين و القواد و رجال الدرك و الشرطة بدون تحريك ساكن. هذا الوطن يحتاج إلى خطط ناجعة و فعالة لاجتثاث جذور الفساد التي استنهكت قواه.

على المغاربة أن يقولوا كفى لنظام التعليم المتهالك, كفى من المحسوبية و الزبونية, كفى من الفقر و المهانة, كفى من تدهور أوضاع الحياة و كرامة الإنسان في القرى و المداشر, كفى من قضا
ء ينصر الظالمين و المتجبرين ...
لقد نشر المجلس الأعلى للحسابات تقارير مهولة عن الاختلالات التي تنخر مؤسساتنا و نشر أسما
ء من تجب محاسبتهم على تبذير أموال الوطن و تسخيرها لمصالحهم الخاصة, فهل تم ذلك لنقدم كبش فداء أحدهم و نترك الباقين بدون عقاب ؟
هل المسلسلات المكسيكية و التركية المدبلجة بالدارجة المغربية هي الكفيلة بتوعية الشباب ؟ هل البرامج التافهة التي تسخر من ذكا
ء المغاربة هي العاكسة لأذواقه و ثقافته ؟هل زج شكيب الخياري و العقيد ترزاز و كل من فضح رؤوس الفساد في السجون كفيل بتحقيق التقدم ؟ هل إغراق الصحف و الجرائد بغرامات خيالية و متابعة الصحفيين أوجه من حرية التعبير ؟
هل انبثاق حزب من العدم أصبح وجهة لكل الانتهازيين و فوزه بالانتخابات الجماعية في غضون شهور قليلة بعد تأسيسه وجه من أوجه الديمقراطية والمغرب الحديث ؟

لطالما التحم المغاربة و لبوا ندا
ء الوطن : آباؤنا الذين شاركوا في المسيرة الخضراء و شبابنا الذي استنكر العداء الإسباني منذ أسابيع ... هل برز أي انفصالي أو عدو للبلاد بيننا في تلك التجمعات ؟ هل تم تغيير شعاراتها و مطالبها ؟ هل تمكنت القلة القليلة من الخونة من تحريف مسارها ؟ لماذا الخوف إذن ممن قل عددهم و وهنت عزيمتهم أمام وطنية المغاربة... من منهم سيتجرأ على رفع شعارات معادية للوطن وسط ألوف المغاربة الغيورين على بلدهم ؟ هل أصبح منبت الأحرار و مشرق الأنوار يتوجس من أعدائه ؟
لبوا ندا
ء البلاد التي ضاقت ذرعا بأعدائها الداخليين الذين يستنزفون ثرواتها و يستحقرون مواطنيها.
إن الخوف يعترينا من التغيير و من تحديات الغد ... لقد أصبحت المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يعي المغاربة ضرورة إصلاح منظومتهم السياسية التي عاث فيها المفسدون فسادا. إصلاح تكمن خطواته الأولى في إعادة النظر في دستور البلاد و نهج تقسيم عقلاني و فعال للسلط بين القصر و الحكومة بالإضافة إلى إزالة الانتهازيين من مواقع السلطة و إخضاعهم لإرادة الشعب. إننا نتوفر على جميع المؤسسات الديمقراطية من برلمان بغرفتيه و حكومة و وزراء و مجلس دستوري, ما يلزمنا هو بث روح جديدة فيها لا البدء من الصفر و تخريب ما تم إنجازه.

استيقظوا يا مغاربة و أحبوا ما ينبغي حبه, أحبوا وطنكم و صلاحه, أحبوا العدل و الكرامة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire